همسات من حياة امرأة مميزة

الثلاثاء، 2 مارس 2010

عندما يزور الموت شخصاً قريباً


انا لله و انا اليه راجعون .. اللهم هذا قدرك و قضاءك فألهمنا الصبر عليه و الرضا به
هل جربتم في يوم أن تفقدوا شخصاً عزيزاً عليكم .. قريباً منكم ..؟؟
أن تودعوه بلا عودة .. وداعاً أخيراً لا رجعة عنه ..؟
انسان عشتم معه دهراً طويلاً من حياتكم ؟
هل جربتم أن تفقدوه فجأة.؟
هل سبق و اختبرتم شعور الموت المفاجيء لأحد الأحباب؟
و ان هذا الموت لم يترك لكم الخيار لتودعوه الوداع الأخير و لتقبلوه القبلة الأخيرة و لتحادثوه لآخر مرة
و بعد ان تأتي هذه الصفعة
تتذكرون اللحظات التي فاتت و الأيام التي ولت و لم تقضوها معه و لا يمكن الآن أن تعوضوها لأنه رحل عن الحياة..!!
اذا كنتم قد واجهتم هذه التجربة فأنتم تفهمون تماماً ما أشعر به و ما أمر به و ما الذي ينزفه حبر قلمي و ماذا تزفر آهات قلبي
حزن شديد و الم كبير على فراقك يا جدتي ..
والله لو علمت اوراقي و دفاتري مقدار المي و حزني لبكت على جرحي
و لتكلمت دموعي المنهمرة كالأنهار دون توقف كلما ذكرتِ أيا جدتي
علمت أن هذا اليوم آتٍ و لكنني لم أعلم كم هو قريب
لم أشأ أن أصدق ذلك و لم أرد أن أفارقكِ بأي شكل
فقد عشت معك عمراً تحدث عنه السنون و الأيام و تشهد عليه الذكريات
في يوم الأربعاء 17 - 2- 2010 استقيظت على بعض الآلام التي اعتدها في ظهري و قدمي و لم أرغب بالذهاب الى موعد طبيب العظام بسبب عجزي عن السير بالصورة السليمة و بسبب الام اقدامي
اقنعني زوجي و امي بالذهاب
و بينما كنت استعد لذلك
هاتفت والدتي زوجي و اخبرته ان جدتي مريضة جدا و انها ستطلب سيارة اسعاف لنقلها للطواريء
و عندما اخبرني زوجي ذلك توقعت اي امر الا ان تكون قد توفت رحمها الله لأنها لم تكن تعاني من اي مرض بفضل من الله
ذهبت لموعدي على امل ان ازور جدتي بعده للاطمئنان عليها
و انا هناك انتظر دخولي للطبيب اتصلت بوالدتي فسمعت صوت بكائها
سالتها باستغراب: ماذا حصل مع جدتي و اين انتم الان؟
سمعت صوتها الحزين تبكي فانقبض قلبي ..
لم تخبرني بشيء الا انني استبعدت الموت كثيراً فلم يخطر ذلك ببالي ابداً
ربما لأنني لم أرد أن يحصل ذلك
انقطع الاتصال نتيجة لضعف في الارسال فعاودت مهاتفتها ثانية لأعرف ماذا حصل و عندما سمعت صوتها شعرت ان الموقف غير طبيعي و ان هناك خطب ما ..
سألتها: هل انتم في طواريء المستشفى؟
فأجابتني و هي تبكي: نحن في البيت
خفت كثيراً و سألتها: لماذا؟؟ ألم تحضر سيارة الاسعاف؟
عندها أخبرتني أن سيارة نقل الموتى تقف أمام منزلهم!!
ارتبكت أوصالي و فقدت الاحساس بالام ظهري او قدمي و سرت برودة غير طبيعية في جسدي و صرت ابكي باحتراق ..
ليس لأنني استوعب وفاة جدتي و لكن لأن أمي تبكي فإنه بالتأكيد أمر جلل ..
و الى الان لم أعي أنه الموت قد أتى و زار منزل والدي
انقطع الاتصال مرة اخرى بسبب عطل في الشبكة
 فالتفت لزوجي و اخبرته انني لا افهم ماذا تعني امي 
دخلت في حالة النكران و عدم التصديق
لا أريد أن اصدق ان ساعة الفراق قد حانت ..
رن هاتفي و كانت اختي الصغرى سالتها عن جدتي ثانية و كأنها المرة الأولى و انا في انتظار ان أسمع اجابة أخرى تنفي خبر الموت 
فأجابتني و هي تبكي (انا لله و انا اليه راجعون)
عندها تلقيت الصدمة و كانها خنجراً حاداً يغرس في قلبي ..
اغلقت الهاتف دون ان ارد عليها و نظرت الى زوجي و الدموع تملأ عيوني حتى كدت لا اراه منها و اخبرته (جدتي ماتت) و بعدها انهرت تماماً ..
و صرت اردد (لاحول ولا قوة الا بالله .. لا اله الا الله .. حسبي الله و نعم الوكيل) 
و بسرعة خرجنا من المشفى متجهين لمنزل والدي ..
كانت الأفكار تتضارب في عقلي حتى انني لا أذكر تماماً كيف كانت مشاعري المختلطة في تلك الفترة الزمنية القصيرة
و لكن يمكنني ان اصفها بحالة غرق في بركة صغيرة لم استطع تجميع انفاسي فيها و كنت اعاني من ضيق شديد في قلبي
و كأن أحدهم يعتصره بشدة .. 
وصلت اخيراً و بالرغم من عدم قدرتي على المشي بشكل صحيح الا انني كنت اسرع خطواتي الى غرفتها  
الى المكان الذي كنت اراها فيه دائما و اجلس بجانبها احدثها و تحادثني
الغرفة التي لم اكن اسمع منها الا اصوات الاذان و القران و المحاضرات الدينية من المحطات التلفزيونية التي كانت تتابعها جدتي
كانت تحب الاستماع الى الاذان كثيراً و تحفظ أوقاته في كل المدن الاسلامية
كانت تحب ان تتابع صلاة الحرم المكي و المدني الجماعية حتى تصلي معهم من مكانها
كانت تحب القناة اليمينة (الايمان) لأنهم يصلون الظهر و العصر
كانت تتابع قناة الأقصى حتى تعرف اخبار أهل بلدها التي هاجرت منها و تركتها رغماً عنها
كانت رحمها الله امرأة صالحة أحسبها و الله حسيبها
أسأل الله لها الرحمة و المغفرة و العتق من النار
ذهبت الى غرفتها فوجدتها ممدة على السرير
اقتربت منها و جلست الى جوارها 
بكيت كثيراً و كلمتها .. هل سمعتني ؟؟
لا يعلم أحد ذلك سوى الله عز و جل ..
قبلت جبينها و يدها و دعوت لها بالرحمة و المغفرة و ان يبدلها الله داراً خيراً من دراها و أهلاً خيراً منها
و حياة طيبة كانت تطلبها رحمها الله
فقد كانت تتمنى ان يتوفاها الله على فراشها و هذا ما حصل تماماً
استيقظت لصلاة الفجر و عادت للنوم مرة أخرى و هذه عادتها رحمها الله
و لم تستيقظ بعدها لأن الله اختارها الى جواره
أسأل الله لها الجنة كما كانت تطلب دائماً منه سبحانه
اللهم اعطيها و لا تحرمها و كافئها بالحسنات احساناً و بالسيئات عفواً و غفراناً
ودعتها و بكيت ثم ذهبت لأحتضن والدي و اواسيه فكم كان متأثراً و حزيناً
و دعتها و كان الوداع الأخير الذي اتى فجأة


لست أدري ماذا سأكتب يا حبيبتي
هل أكتب بدمعي أو بقلمي
أعلم أنه لا فائدة من الكتابة الآن
و أن كلماتي هذه لن يصلك منها الا الدعاء
فقد رحلتِ أيتها الغالية
إلى الدنيا الآخرة
إلى جنة الخلد باذن الله


كانت جدتي رحمها الله تتمنى أن يحشرها الله عز و جل مع السيدة مريم ابنة عمران رضي الله عنها و السيدة آسيا زوجة فرعون و تطلب ذلك منه كثيراً
أسألكم أن الدعاء لها بذلك


اللـهـم اجزها عن الاحسان إحسانا وعن الأساءة عفواً وغفراناً
اللـهـم إن كانت محسنة فزد من حسناتها .. وإن كانت مسيئة فتجاوز عن سيئاتها
اللـهـم ادخلها الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب
اللـهـم اّنسها في وحدتها وفي وحشتها وفي غربتها
اللـهـم انزلها منزلاً مباركا وانت خير المنزلين
اللـهـم انزلها منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا
اللـهـم اجعل قبرها روضة من رياض الجنة .. ولا تجعلها حفرة من حفر النار
اللـهـم افسح لها في قبرها مد بصرها وافرش قبرها من فراش الجنة
اللـهـم املأ قبرها بالرضا والنور والفسحة والسرور
اللـهـم إنها فى ذمتك وحبل جوارك فقها فتنة القبر وعذاب النار
وانت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها انك انت الغفور الرحيم
اللهم آمين اللهم آمين